بيان من المجلس الأعلى للمسلمين

==============================

إخواني أخواتي،   السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته،

فلا يخفى على أحد منّا قول مولانا عز وجل في محكم كتابه، داعيا الأمّة الإسلامية إلى الوحدة وعدم الفرقة :

"وَاعْـتَـصِـمُوا بِـحَبْلِ اللّـهِ  جَـمِيعًا وَلا تَــفَـرَّقُوا"

فكم سمع كل منا هذا النداء من فوق المنابر أو على شاشة التلفاز، ولم يُـلـِق له بالا، بل وهناك من جعله ضربا من الماضي، أو أمرا غير ذي أهمية.

وكم سمعنا التحذير من الفرقة و عواقبها، في قوله تعالى:

" وَلا تَكـونوا كَالّذِينَ  تـفـرقُوا  وَاخْـتَــلـَفُوا  مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ "

" وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيـحُكُمْ "

ولم نعط لذلك أي اهتمام. وكأن هذا التحذير موجه لغيرنا  ولا يعنينا.

وكم أنذرتنا أحداث التاريخ البعيد و القريب على حد سواء، بل والأحداث التي عشناها هذه السنوات الأخيرة والتي شهدنا من خلالها الضياع التدريجي لحقوقنا الدينية والمدنية وإذلالنا على مستويات عدّة، ولم نعتبر،

" وَ ضَرَبْـنَا لَــكُمْ   ا لأمْـثـالَ "

فغيابنا عن الساحة السياسية و الإجتماعية جعل منّا كبش فداء دائم لكل مشكلة أصابت المجتمع. وتبعا لذلك، جاء الوقت الذي صارت فيه بناتنا ونساؤنا  يدفعْـن فيه ضريبة تخاذلنا عن العمل الجماعي وانشغالنا بمصالحنا الشخصية، متجاهلين بذالك كل الأعراف التي تُخبرنا ليل مساء أنّ الإتّحاد قوّة وأن مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة.

وهكذا، وبعد مضايقات شديدة دامت سنوات عديدة، اختبرت فيها مقدرتنا على التصدّي للظلم، وأثبتت وَهَـنَ هذه الجالية ، يأتي اليوم الذي صار فيه تحدّي الإدارة للمسلمين تحدّيا سافرا، بإصدار الإدارة الفلامنكية  قـانونا رسميا تـُمنع فيه بناتـُـنا اللواتي ترتدين الحجاب من حقهنّ في التعلم، وزيادة في التحدي أن يؤخذ القرار يوم 11 سبتمبر تعبيرا عن مقارنتها الحجاب بالإرهاب. وهذه الغدّة السرطانية المتمثلة في عدم التسامح التي تنخر جسم المجتمع البلجيكي، فإنها تنتشر بسرعة لتشمل إقليم الهينو (Hainaut)، الذي بدوره يصدر قانونا بمنع المحجبات من مدارسه.  وعما قريب – إذا لم ينهض المسلمون من نومهم- سينتشر هذا السرطان ليشمل جسم البلاد كلها ، و بذلك يكون هذا القانون الجائر الظالم سائرا على مستوى القطرالبلجيكي كله، رغم مخالفته لدستور البلاد ومبادئ حقوق الإنسان.

و هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ أَ بَـدًا، فالإعْـتِـداآت على نساء وبنات المسلمين ، بمختلف أشكالها ، موجودة في مختلف المؤسّـسات، وهي في تصاعُـد مستمر، خاصة بعد العداء الرسمي للحجاب. فكم من امرأة سُـبّـت على الملإ ، و كم من امرأة رُفض لها حقُّ التداوي لأنها طلبت أن تفحصها طبيبة، بدلا من رجل. وهناك من أخواتنا من مُـنِعْـن من حقهن في الضمان الإجتماعي، ومن الدخول إلى البنك لأخذ الدراهم من حسابهن، بل وتعدى الأمر إلى الإعتداء عليهن بنزع حجابهن في الشوارع. ولم تعد تحصى  الهجمات على مبادئ  الإسلام و تعاليمه، وعلى علمائه، وعلى مساجده، وعلى رسوله، وعلى مقدّساته. وعلى برامجه التعليمية. وهل من صوت يندّد بهذا الظلم البواح، وتلك الإعتداآت الصّارخة، ويدعوللعدل و الإنصاف؟

وكل ذلك يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان العداء موجّه ضد المرأة فقط؟ هل الرجال والأولاد سالمون من هذا الظلم؟ كلا. بل كلنا يعلم مايعانيه المسلمون من تمييز عنصري عند البحث عن عمل أو عند البحث عن مسكن أو حتى في الدراسة. فكل شيء يدلنا أنّ المستهدف –اليوم- هو الإسلام وكل رموزه وكل أتباعه. فإذا كان القسط الأكبر من العداء موجه ضد حجاب المرأة، فلأنه هو العلامة الظاهرة للإسلام فقط .

تكالبت علينا قوى الشر من كل جانب. تلك القوى التي حذرنا الله من شرها، في قوله تعالى:

"إنــهـم  إن يـظـهـروا عليكم يـرجموكم  أو  يـعـيدوكم   فـي  ملتهم  ولن   تـفـلحوا  إذا  أبدا"

"كيف  وإن  يـظـهروا  عليكم   لايرقبوا   فيكم  إلا  ولا   ذمة، وأولائـك  هم  الـمـعـتدون"

فأيّ هَوَان هذا الذي أ صابنا؟ وأي إذلال نعيشه في أيامنا هذه؟ ولكن :

" وَما أصابَكُمْ  مِنْ  مُصِيبَة ٍ فَبـمَا كَسَـبَــت   أَيـْديكُم   و يـَعْـفُو عَـنْ  كَــثِـيـر"؟

 كلنا يدرك أن سبب ضعفنا هو فرقتنا. فهلا بذلنا جهودا لتوحيد صفوفنا؟ فلماذا نُرجع دائما أسباب هزائمنا لغيرنا؟ دائما، العدو هو الذي يمنعـنا من توحيد صفوفنا. والعدو هو الذي يسعى لتفريقـنا. والعدو هو الذي يخطط لإبقائنا تحت سيطرته وتحت رحمته. أليست هي شهواتنا و حبّـنا للدنيا هي التي جعلتـنا نلهث وراء غيرنا لإرضائهم ولو على حساب مبادئنا؟

أين إنصافنا لأنفسنا ولغيرنا؟ فكم من محاولة لرصّ الصفوف جوبهت بالرّفض والإقصاء من طرف المسلمين أنفسهم!

-          فبدعوى عدم الجدوى، رُفض المجلس الأعلى للمسلمين، خاصة بعد ما رفضته السلطات وأحلّـت محله اللجنة التنفيذية، التي اتّخذتها لعبة تديرها أين تشاء وكيفما تشاء !

-           وبدعوى عدم توفر الكفاآت و التجارب الكافية، أ ُجهضت كل جهود لإنشاء المدارس ، التي بها نحافظ لأجيالنا الصاعدة على حقهم في التعلم وتربيتهم التربية التي لاتتعارض مع معتقداتنا و مبادئنا.  و تأتي – اليوم- التجارب في فرنسا المجاورة ، التي أغلقت أبواب مدارسها أمام المحجبا ت ، والتي تسعى بلجيكا أن تحذو حذوها، تأتي هذه التجارب لتبعث الأمل في قلوب المسلمين، وتقول لهم أن مستقبلكم في إنشاء مدارسكم. أنظر إلى هذا النموذج من المدارس الإسلامية، التي نسبة النجاح فيها في امتحان البكالوريا مائة في المائة، نسبة لا تعرفها المدارس الأخرى:

http://www.france24.com/fr/20091019-focus-france-ecole-privee-musulmane-eleve-religion-arabe-islam

-          وبدعوى الإندماج والخشية من التهميش، رُفضت كل تجارب الأحزاب السياسية التي أنشأها المسلمون حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وعن معتقداتهم في مجالس القرار، وألحقت أصوات المسلمين في مختلف الإنتخابات ، تحت حراسة مشدّدة وبالمجان- بالأحزا ب التي  - عادة - لا تجد أي حرج في أن تسن قوانين تحارب معتقداتهم وتسلب منهم حقوقهم ، أو أن تُؤازر الأحزاب التي تقوم بمثل هذا العمل.

-          وبدعوى الدفاع عن حقنا في العمل، نموّ ل النقابات التي تطالب جهارا بمصادرة حقوق المسلمين و الهجوم على معتقداتهم، وننأى بأنفسنا عن تمويل من يدافع عن حقوقنا الدينية!

-          وبدعوى كثرة الأشغال و ضيق الوقت والإهتمام بالأولاد و غيرها ، غُــيّـب العمل الجماعي، وصار كل واحد منـّا لا يفكر إلا في نفسه ومصالحه الشخصية، ولسان حاله يقول : " ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم"، ونسي قول رسولنا الكريم: "عليكم بالجماعة، إنما يأكل الذ ّئب من الغنم القاصية َ " !

إخواني أخواتي،

إن المجلس الأعلى للمسلمين ليرفض رفضا قاطعا هذا التخلف الذي نحن فيه، وهذا الوهن الذي أذهب بعزائم الأمة،  والذي جعل مصالحها تضيع على أيدي المنتسبين إليها، والذي جعلها فريسة سهل المنال لكل الوحوش المفترسة. وإن هذا الرفض من طرف المجلس ليس مستحدثا، وليس جديدا في مواقفه عبر السنين التي مضت، إلا أن التحذيرات السابقة من عواقب المواقف التي اتخذتها جاليتنا تجاه جملة من المشاريع المصيرية ، والتي كان الكثير يظن بأنّه مبالغ فيها و أنها لا تحدث أبدا في بلد حرّ وديموقراطي، صرنا اليوم نعيشها حقيقة لاخيالا ولا تنبؤا، وصرنا نعيشها حاضرا و مستقبلا لا ضربا من الماضي.

 و كما يعلم كل منا ، أن التنديد بحالنا المزرية  وحده لا يكفي لبناء صرح هذه الأمة ولا لإعادة مجدها وعزّها، وربّـنا عز وجل ينهانا عن القول المجرد من العمل، في قوله تعالى:

" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون؟

كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون."

 

فلا بدّ من العمل الجادّ، المزوّد بالإخلاص والصبر و طول النفس.

" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون "

إخواني أخواتي،

إن المجلس الأعلى للمسلمين ليدعوكم لنبذ أسباب الضعف والهزيمة، يدعوكم لتوحيد الصفوف والإبتعاد عن الفرقة، يدعوكم لإعداد العدة التي بها ترتقي أمتنا إلى مصاف الأمم المحترَمة، كما يطالبنا مولانا عز وجل في قوله تعالى:

" وأعدّوا  لـهم  ماا سـتـطـعـتـم  من  قوّة  ومن  رباط   الخيل  تُـرهبون  به   عدو  الله   وعدوكم "

هذا المجلس الذي أنشأته الجالية الإسلامية في مطلع سنة 1991 والذي صمد كل هذه السنين – بفضل من الله ثم بفضل الجهود المخلصة التي بذلها بعض المخلصين منكم، بأوقاتهم وبأموالهم- أمام كل التحديات التي سعـت لإزالته من الوجود حتى يتسنى للذئب المحتال أن يرعى الغنم ويعيث فيها فسادا، هذا المجلس يدعوكم للإلتفاف حوله لإعادة تفعيله وتمكينه من تنظيم جاليتنا و الدّفاع عن حقوقها ومبادئها.

إن مرور الوقت-  في الوضع الراهن-  ليس في صالح أمتنا. فما من يوم يمر إلا و يزداد فيه التضييق على جاليتنا الإسلامية، إما بواسطة القوانين الجائرة  الصادرة من دوائر القرار، وإما بواسطة الأفكار المسمومة التي تروّج لها وسائل الإعلام المغرضة، وإما بغير ذلك.

إذن، فعلينا الإسراع لتوحيد هذه الصفوف المبعثرة، ونجعلها كالبنيان المرصوص، ولا يمكننا ذلك إلا بالإيمان الصادق والعمل الذؤوب، بل وهذا العمل من دلائل الإيمان الصادق، الذي يطالبنا به مولانا،جل في علاه، في قوله تعالى:

" إنـما الـمؤمنون الـذين آمنوا بالله ورسوله ثم لـم يرتابوا،

وجاهدوا بأموالـهم وأنفسهم في سبيل الله،

أولائك هم الصادقون "

فالمطلوب منك – أخي المسلم، أختي المسلمة- تبرئة ذ مّـتك من هذا الإنهزام الذي نعيشه، بمشاركتك الشخصية في هذا المجلس، بكل مايمكنك بـذ لـه، من الوقت أو المال أو الأفكار أو غير ذلك، مع العلم أن :

" الله لا يـُـضيع   أجر   الـمـحسنـيـن "

ويمكنك المشاركة الفعالة،

-           إما بتبرعك المالي على الحساب المصرفي للمجلس:


IBAN: BE16 3101 0553 4874
BIC: BBRUBEBB
 

-          أو بتسجيلك عن طريق الموقع الإلكتروني للمجلس :  http://www.csmbnet.org/PHP/Soutien.php

-          أو بإبداء رأيك عن طريق الموقع نفسه.

-          وكذلك بتبليغك الآخرين بمحتوى هذا البيان ، كأن ترسله عن طريق البريد الإلكتروني إلى كل المسلمين الذين تعرفهم، و ذلك حتى تعمّ الفائدة، والدالّ على الخير كفاعله.

وأخيرا، فلنعلم جميعا أن مستقبلنا ومستقبل أولادنا وبناتنا و الأجيال القادمة مرهون بعملنا نحن اليوم ، كما يقول مولانا عز وجل:

" إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "

وإن الأجيال القادمة لسوف تذكرنا بخير  وتدعو الله لنا ، إذا ورثـت منا عزّا وكرامة وحقوقا مصونة ، أو غير ذلك إذا لم نورّثها ما يحفظ كرامتها ويرفع من شأنها بين الأمم، فلنعمل جميعا، يدا واحدة، لنكون من الفريق الأول، والله وليّ التوفيق.

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته